"
مدينة الغزلان "2011
تأليف : د. فكرى جلال
يحكى أن في منطقة بعيدة عن العمار وقريبة من واد متسع كانت تتساقط به الأمطار، واد خال لم يسكن به أي بشر .
ولكن ذات يوم كان رجلا يرتحل على دابته ويرافقه ابنه الذي لم يتجاوز بعد الستة أعوام قد توقفا بهذا المكان الفسيح وقال الرجل لابنه بعد أن ترك ظهر دابته حيث التجئا إلى إحدى الأشجار الكبيرة التي بالمكان ثم قال الرجل لأبنه : يا عمر هل ترى جمال هذا المكان ، فنظر عمر يمنة ويسرة ثم قال : نعم أراه يا أبى ولكن إن هذا المكان يبدوا فارغا من البشر وهذا يشعرني بالخوف ، فقال له أبيه : يا بني أنني أنظر إليه واراك وذريتك من بعدك قد حولوه إلى واد خصيب ، فقال الفتى عمر : برغم أنني لا افهم ما قلت يا أبى أرى أنه يجب علينا أن نمتطى دابتنا ونترك هذا المكان فورا فأنا أهوى الزحام ووجود البشر الكثيرين حولي لأنهم يشعرونني بالضمانية والأمان ، فقال له الأب مبتسما : عما قريب سوف تعرف معنى ما أقوله لك !! وفى تلك الأثناء فجأة وبدون سابق موعد هبت ريح قوية عاصفة ، وتلبدت السماء بغيوم كثيفة وبرقت السماء برقا وسمع صوت كركبة في السماء ثم هطل مطر غزير فاحتمى الوالد وولده في كوخ خشبي قديم كان مجاورا للشجرة الكبيرة وبعد أن اهتديا إليه ، وجدا بداخله بعض المتاع والحطب فأشعل الرجل جزءا منه لكي يشعر صغيره عمر بالدفيء وفى تلك اللحظة أتت غزالتان ودلفا إلى الكوخ ، فنظر عمر وقال لأبيه فرحا : انظر يا أبى لقد أتت غزالتان إلى جوارنا ، فقال له الأب : أنهما يحتميان بالكوخ من المطر مثلنا وخرج الأب قليلا ثم عاد إلى الكوخ ثانية وكان قد أمسك في إحدى يديه كمية من الحشائش الخضراء النضرة ووجه حديثه للغزالتين قائلا : لقد أحضرت لكما بعض العشب النضير فكلا منه هنيئا مريئا . وفجأة بعد أن تغذيا على هذا العشب تحولا إلى رجل وفتاه فانزعج من ذلك الرجل وابنه ، ولكنهما قالا لهما : لا تخافا إننا كنا مسحورين وسوف نحكى لكما حكايتنا . وجلسوا معا في داخل الكوخ ، وأخبرت الغزالة التي تحولت إلى رجل أنه إنسان غنى ويملك مالا وفيرا ولكنه لا يعرف ما الذي سوف يفعل به ، فقد حصل عليه من ارث لأبيه ، وقالت الغزالة التي تحولت لفتاه ، لقد حصلت أنا الأخرى على كنز من أبى ولا اعرف ماذا سأفعل به الآن ، فقال الرجل والد عمر لهما : لقد عرفت الآن لماذا قد تعرضتما إلى سحر الماكرين ، فقالت له الفتاة : نعم إن ساحرة ماكرة كانت تريد الحصول على تلك الأموال والكنز أيضا من أبى قبل وفاته ، ولكنه رفض فحولتنا إلى هيئة الغزالتين كما رأيتمانا ، ولكنها قالت لنا قبل أن يسرى سحرها فينا: إنكما لن تعودا إلى هيئتكما ويزول سحري عنكما إلا حينما يطعمكما إنسان غريب من هذا الوادي الفسيح ، وقد حدث هذا ، لذا فلقد رأيت أنا وأخي أن نهبكما ثروتنا نظير هذا العمل الجليل ، فقال لهما الرجل : أنني لا ارغب في حرمانكما من ثروتكما ، ولكن إن لدى فكرة ربما إذا وافقتما عليها فسوف نعمل معا على تعمير هذا الوادي وبناء بيوتنا لنا وللآخرين الذين يأتون إلى هذا المكان ، فرحب الرجل والفتاة بذلك وأحضروا المال والكنز وبتلك الثروة بدؤوا في بناء مدينة كبيرة شيدوا فيها القصور والبيوت الجميلة والمدارس ودور العبادة وزرعوا الأشجار وشقوا الأنهار واسموا هذه المدينة " مدينة الغزلان" .
وفى يوم أتت امرأة عجوز إلى هذه المدينة وقابلت والد عمر وقالت له : كيف تعيش مع هذا الرجل وأخته ، إنهما يتبعان دينا وملة ليست مثل دينك وملتك ، اتركهما وارحل إلى مكان آخر فأعطيك من الأموال الكثير وأجعلك أغنى الأغنياء وأيضا أجعلك تعيش أنت وابنك عمر في قصر منيف كبير تحفه الأشجار وتجرى من خلاله الأنهار ، فنظر إليها نظرة فيها تعجب وبانت على قسمات وجهه عدم الموافقة وقال لها : إن من تتحدثين عنهما هم أصدقائي وهما من ساعداني في تعمير هذا المكان ، وأنني أحترمهما وأعزهما برغم أنهما على غير ديني ، وكل منا يحب الأخر ويحترم دينه ، أنني أرى انك بذلك تحاولين الوقيعة بيننا ، واشعر انك ربما تكونين الساحرة الماكرة ، لذا فارحلي قبل أن أدع كلبي " عنبر الأمين " يعضك عضة قوية لن تقومي أبدا بعدها ، فقالت الساحرة غاضبة : ويلك منى أيها الرجل انك تعرف أنني لا أحب الكلاب وأخاف كثيرا منهم وبسببهم يبطل سحري عليك وعليهم ، ثم تركت المكان وهرولت بعيدا . وفى الصباح كان الرجل هو وابنه عمر يسمعان صوت أجراس الكنيسة والترانيم الرخيمة التي الناس بها ، ثم يعقب ذلك صوت الأذان ، وهكذا عاش الناس جيلا بعد آخر في مدينة الغزلان أحباء ولكنهم قد أصبحوا حذرين من قدوم الدخلاء الأشرار ،ولكن دام الحب والإخلاص والتعاون والمحبة بينهم لأنهم من مدينة جميلة رائعة هي " مدينة الغزلان " .
وهى قصة لا تنتهي