"[center] ومهما طال الإبحار
" د. فكرى جلال [/center]أعد البحار قاربه بعد تعب وعناء ، ثم فك قيدوه من على الشاطئ وفرد شراعه حيث امتلأ بهواء البحر البارد المنعش ، وكان في وداعه لفيف من بعض الأصدقاء ، كان بعضهم ينظر إلى لجج الأمواج التي اندفع قارب البحار نحوها ليشقها ويهمسون يا ترى هل سيعود من رحلته هذه ثانية أم سيكون هائما في البحار أياما وسنين ، ولكنه سرعان ما صار بعيدا عن أعينهم فارتدوا إلى أعقابهم لديارهم وتنمو له النجاح في تلك الرحلة التي تلفها روح المغامرة والإيثار ، بينما كان ذلك البحار قد دخل بقاربه إلى طريق بحري طويل . كان ذلك البحار يعرف وأصدقاءه أيضا يعرفون أن الشاطئ الذي يقصده لم يصل إليه من قبل بحار ولا صياد لمحار . كتب ذلك البحار بلغات العالم " أقصدها " فلقد بدأ سفرته الطويلة وخاض البحار من اجلها كان يعرف أنها تعيش ربما على جزيرة سوف يهتدي إليها يوم ما ، أو هي تقبع في مكان ناء ولكن هو يعرف أن بعد عناء الأسفار يلتقي الأخيار حتى في عالم البحار ، لقد عرف عنه مدى حبه للمخاطرة فلم يلجأ أبدا إلى طريق ممهد بل كان يختار منها الأصعب حتى إن كانت تملؤه الأخطار ، لقد قرر في تلك الرحلة أن يقصد مرفئها لذا فقد ركب الموج العالي وصارع الريح العاتي وهكذا مرت الأيام عليه تباعا يوما بعد يوم ربما قد مر عليه ستون يوما وهو يبحث عنها ، كله أمل وشغف بأن يلتقي بها وراء تلك البحار ، ربما هي تنتظره أو لا تنتظره فقد كان يعتصر عقله مع كل موجة وهبة ريح وقطرة ماء تهفوا إليه من موجة عالية ، كان يحدث نفسه وطيور النورس التي تحوم فوق الشراع ويقول : ماذا سأفعل لو كانت لا تنتظرني أ أو كانت ليست في شوق ألي وأنا في وسط هذا الإعصار ، هل لو رايتها هكذا سوف أعود القهقرى !! لا أعتقد أنها ليست كذلك تلك خيالات تسرح وتجول أمامي ، أنني اعلم إنها تنتظرني برغم أن انتظارها قد يطول ولكن لدى أمل بأنني سوف أصل إلى حيث تكون . كان يتمنى أن تكون هي أول من يرى من فوق لجج الأمواج قمة شراعه وترى اسمها بكل حروف العالم راء ، ياء ، ميم ، له وميض وأشعة تلتقط خيوط الشمس إذا لاحت في الأفق البحري . كانت تلك الحروف مكتوبة على هذا الشراع بمداد من دماء البحار . وأخيرا وبعد عناء لاح للبحار من بعيد شاطئ به مرفأ قديم ومنارة قد تآكلت أحجارها ولكنها ما زالت تهتدي بها السفن والقوارب بالليل ، وحينما اقترب أكثر من هذا الشاطئ وجد فتاة رائعة الحسن تقف على حجر كبير وتلوح بمنديل في الهواء ، ظن أن هذا هو السراب الذي يراه في حلمه ، ولكنه اقترب أكثر فوجد أن تلك الفتاة قد بدا عليها الإعياء والتفحت بأشعة الشمس أياما أو ربما من سنين ، فالتف بقاربه واقترب حيث تكون وبقى جزء من الأحجار لا يمكن للقارب إدراكه فقفز سريعا إلى الماء وسبح قليلا حتى وصل إلى حيث تكون فحياها وقال لها بصوت خفيض : لمن كنت تشرين بهذا المنديل !! كان بتلك الكلمات يريد أن يتأكد ويسمع منها جواب يشفى طول انتظاره لها فقالت له وهى تنظر إليه بشوق جارف : أو لم تنظر إلى وجهي وأديم جلدي وشفتاي اللتان تشققتا من عطش الانتظار ، أو لم تدرى أن الانتظار قد طال بى ولم اعرف متى ستأتي ومع ذلك فقد عقدت عزمي على الانتظار ، يالك من مسكين حتى تسألني بتلك الكلمات !! فقال لها يهدئها : معذرة يا هدية الأقدار ، يا ملهمة النفس ارجوا أن تلتمسي منى الأعذار فلقد طالت رحلتي في وسط هذه البحار التي لا يبدو لها عمق أو قرار ، أرجوا ألا قد أحزنتك كلماتي أو ربما أبكتك توهماتى ، فقالت : أو لم تصلك رسالاتي بداخل قنينات تعوم على سطح تلك المياه فقال لها : لقد وصلتني ، فقالت : هل عرفت لمن كنت أشير إذن أو انك لا تعرف أحاسيس امرأة قد طال بها الانتظار . انتظر أصدقاء البحار عودته ولكن طال انتظارهم بدون جدوى . فلم يعد هذا البحار إلى شاطئه الذي أتى منه لأنه قد وجد على هذا الشاطئ من كانت تنتظر لقاءه ، فظل معها حتى آخر العمر .
***
قصة لن تنتهي أبدا [img][/img]