رحلة إلى شجرة "العليقة" بسيناء
للدكتور : فكرى جلال
ـــــــ
من الأشياء التى دفعتنى إلى محاولة تنمية شجرة النبى موسى عليه السلام والتى تقبع على أعلى مكان فى مصر بدير سانت كاترين بجنوب سيناء، هو إحساسى حينما أتيحت لى زيارة هذا المكان بأن هذه الشجرة تقع فى مكان مقدس لا يبعد عن جبل التجلى الذى يقف شامخاً ليحرك المشاعر لتطوف وتجول بمكان مقدس قد مشت فى دروبه أقدام الأنبياء.
ثم من جزء صغير من هذه الشجرة عبارة عن برعم متناه فى الصغر تم استرطابه بماء من بئر موسى عليه السلام والذى يقع على بعد خطوات قليلة من الشجرة المقدسة، وتغليفه بغلالة ورقية وكان يمكن أن يذبل ويموت فى رحلة عبر سيناء استمرت أكثر من ثلاثة أيام.
بعد ترك المكان بقى هذا النسيج يانعاً غضاً بعد أربع أيام، وكان لزاماً على أن أقوم بزراعة ذلك النسيج بعد عودتى مباشرة على بيئة اصطناعية إلا أننى لم أتمكن حيث امتددت الرحلة ومر يوم آخر على هذا النسيج فى تلك الظروف الصعبة إى أنه أبى أن يموت وظل حياً، وفى اليوم السادس من بداية استئصاله بدأت فى زراعته بعد أن وفرت له بيئة غذائية مناسبة آخذاً فى الاعتبار أن احتمالات نجاح زراعة نسيج واحد ضئيلة جداً خاصة وأن هذا النسيج قد تعرض طوال هذه الرحلة الشاقة ولمدة خمسة أيام إلى ظروف حرارية غير ملائمة.
وبعد عدة أيام ذهبت إلى المعمل الذى تمت فيه هذه الزراعة وقتها لأجد بصيصاً ضئيلاً من الأمل، حيث بزغ جزء صغير يوحى بالحياة مجاوراً للنسيج القديم وبدا النسيج وكأنه يطمئننى ويقول لى: أننى سوف أواصل الحياة بالرغم من ذلك الإحساس الذى ينتابك وبرغم ضآلة نسبة النجاح فى مثل تلك الحالات، وهنا أستطيع أن أقول أن إيمانى بالله هو الذى دفع ذلك النسيج أن يتقوت من تلك المواد البسيطة ليواصل الحياة. ومرت الأيام وفى كل يوم كنت وكأننى أتحدث إلى هذا النسيج وصوتى من داخلى يناديه: أرجوك لا تخذلنى أنا أتمنى أن أراك تنمو، وبدا وكأنه يستجيب لى وكان كطفل صغير ينمو وأنا أراقبه من خلال عدسة صغيرة.
وبعد مرور فترة وجيزة وجدت وريقاته تنمو وتتأنق وتزداد جمالا ًورونقاً وإذا بى أصيح حمداً لله لقد نجحت، لقد بدأ النسيج ومعه طموحاتى التى كانت تنمو بمعدل أكبر وأكثر وكان النسيج يقول لى: ألم يكفيك ذلك النجاح.
أحضرت الكاميرا وقمت بتصويره على فترات مختلفة من مراحل النمو كأب يسجل مراحل نمو أبنه بعدسات التصوير وكنت أخشى أن تفشل الكاميرا فى التقاط هذه الأشكال البديعة فلقد بدا النسيج وكأنه يشع ضوءاً سرمدياً لم أرى مثله حينما تعاملت مع أنسجة نباتية مختلفة.
ولقد فرحت أيما فرح حينما نجحت فى التقاط تلك الصور واعتبرت ذلك وكأنه هدية غالية لى فى هذا المجال. لقد كان فى نجاح هذه التجربة إبهاراً لى ونوراً رأيته يتوج هذا النسيج وهو ينمو على البيئة الاصطناعية فليكن ذلك النور الذى يحتويه مكنونك هو نور الإيمان الذى انتابنى وأنا فى رحلتى إلى الشجرة الأم "العليقة" بدير سانت كاترين.
والحمد لله الذى هدانا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله.