حتى يصير للحب أغنية .. و أنشودة ينشرها الصبح المشرق
للدكتور : فكرى جلال
تنسجنى الأيام وأبقى فى الميدان ، أتنفس أحزان وأسمع أشجان فى ليلى معزوفة فنان ترنيمة انسان ونشيد مكتوم تعزف على أوتار قيثارة غجرية تهمس بترنيمة و كلمات .. رتل الصمت نشيدا فى اذان الهاجعات ... صوت ميدان تجلى حتى صار نشيد الكائنات .. أنسام راحت تتموج فى الميدان وسط صخب ملفوح بالأحزان الشتوية .. أقبع فى ركن يحيطه الظلام و معى صحبة من شباب ميدان التحرير .. لا أذكر الاسماء ولكن جلسنا نقتات على فتات من بقايا طعام لا نشتم فيه طعم الحرية.. بل نتجرعه كمدا لسد الجوع السهران .. وعطش الأمل الهيمان .. فليس لدينا شربة ماء من ينبوع السريان .. ولكننا نشتاق لترياق يزيل عنا كابة وقهر قد أسكنوه فى جوفنا نتوق أن ينزاح من داخلنا كما يقهر الحرمان الى الحرية .. أكتب مجرد أفكار وأسجل ما يحدث من حولى فى وريقات كانت تتقاذفها الريح ، فالتقطها وهى تهرب منى ثم بحثت فى معطفى عن قلمى فوجده قد ذاب من هول الخوف الذى يحيطنى وتذكرت أن من قبله قد ذابت شطئان ولم تعد لياليها تنعم بسحر هادىء ولا بصوت الصيادين وهم ينشدون على قواربهم فى النيل ، لم يعد حتى النيل ينعم بذلك السريان فمياهه كأنه سكنت من هول ما يحدث فى الميدان واصبح لا صوت خرير ولا جنادل ولا حتى العمق الذى كان يبدو دائما فى النهر الخالد الثائر .. تلفحت أنا واصحابى سماء ميدان التحرير وبين مساء وصباح كانت ترشنا أعيرة ونيران الطلقات .. ربما كانوا يتسلون ويحسبوننا طيورا أو حتى جرذانا ، ولكن كان كل منا مجرد انسان .. شباب طامحون الى المستقبل و لا ننظر الا الى النور .. فى تلك الهنيهة سقط الكثير ممن كانوا يجاوروننى قتلهم موت ظلوم وقبض بأظافره على خيرة من شبابنا .. كنا نرى اخر بريق فى عيون هؤلاء الشهداء و نلمح فى هذا البريق مدى تعطشه للحرية التى قد تمنوها و لكن كانوا يطلبونها من السماء .. ان هول الموت لم تنثنى له صدور هؤلاء الشهداء ، بل كانت قاماتهم عالية حتى وهى تهوى كانت تحتضن الثرى بالقبلات .. كم ربيعا عاش هؤلاء الشباب!! ربما القليل ، ولكن على وجه مصر سوف يكون هذا الربيع على مدى الدهور .. كانوا زاهدين فى كل شىء ويتوقون لطعم الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية .. لم يكن يتمنى أى أحد منا أو ممن نالوا الشهادة انذاك سوى أن يرى بلاده تتنسم نسيم الحرية العلياء .
وفى لحظة فارقة وجدنا أن جحيم الغدر قد اذداد فى أرض الميدان كأن رحى الحرب قد أتت لتقضى على كل الشباب الثائرين من أجل الحرية الوليدة ، فوجدنا أن الارض باتت تشرب ويمتلىء جوفها بدماء الشهداء و لم يجد كل من أسلمت روحه غير جريح يئن بجواره فحمله غير عابىء بهدير وعنف الطلقات ، ثم فر به بعيدا عن الميدان لقد تحول المكان الى ساحة كر وفر وكان بمثابة جبهة قتال ولكن كان الجبناء يقتلون فيه من لا يحمل سلاحا ولكنه كان يحمل فى صدره كلمة انسان يريد أن يعيش حرا فى عصر يجد فيه الكرامة والحرية كالهواء يستنشقها مع كل دقة من نبضات قلبه وأراد أن تنغلق فى مجتمعه توهمات التوهان ولكن جاء الصبح المكلوم توقد فيه هدير الميدان و صوت الطلقات النارية التى كانت تصطاد من فوق الابنية شباب و روعة مصر العصرية .. من أجل العودة بذاك البنيان لزمن تسود فيه فوضى و قمم الجاهلية .. كنا فى كل مكان نزيح كل بقايا الرجعية برغم الالم الرنان ..حتى يصير للحب أغنية ...و أنشودة ينشرها الصبح المشرق رايات تعلوها أنسام الحرية . وتحملها فوق الوجه السمح المشرق لتعود لنا مصر المدنية ... يا الله على هذا الشعب المصرى الراقى لقد صنع ثورة سلميه .. وعلا بريقها وتطلع اليها كل العالم وأشار اليها بالبنان وقال لها : هاتيك أول ثورة فى تاريخ البشرية انها ثورة 25 يناير .. ثورة سلمية .. لقد بدت أغنية فى أرض الفيحاء رانت اليها الصحبة الشهباء ... وبلغ الصدى فى كل الانحاء حتى أقاصى البتراء .. من أجلها عذفت وستعذف وستكتب أرق الكلمات وأعذب الألحان لثورة وأنسام الحرية . فحافظوا على هذه الثورة ففيها كل امال الشعب المصرى ...