وغدا تشرق الشمس
قصة قصيرة:
تأليف د . فكرى جلال
هذه القصة مهداة الى كل المصريين الذين يؤمنون بأن الدين لله والوطن للجميع
على مقربة من الطريق الصحراوى تقبع فيلا تتكون من طابقين تحيط بها الاشجار من كل مكان ، ويؤدى اليها طريق غير ممهد عبارة عن مدق تم تدعيم رماله بالحجر الجيرى ، وفى الجهة الخلفية من الفيلا تم الحاق مشفى صغير أو مستوصف بها ، هذا المكان عادة بعد أن تغيب الشمس عنه وينسج الليل خيوطه عليه يموج فى سكون وهدوء بالغين والقادم اليه لا يرى فى ظلمة الليل الذى تكسوه وتسود المكان سوى اضواء بعض السيارات التى تتبرق من بعيد بين الفينة والاخرى بينما تشق أضواؤها ذلك الافق المظلم لتحيله الى مرايا عاكسة للاضواء فتسقط على الفيلا و من يدقق النظر الى تلك الأضواء فتغشى عينية لثوان معدودات وذلك أثناء عبورها على هذا الطريق الصحراوى .
عاد الدكتور موريس كعادته من عمله فهو يعمل جراحا فى احد المستشفيات الشهيرة وبهدوء وعلى ضوء أحد الفوانيس خافت الضوء والذى يوجد معلقا على سور الفيلا خرج من سيارته واتجه نحو باب الفيلا الامامى ففتحه وكانت فى استقباله زوجته الدكتوره مارى الاستاذة بكلية الاداب بينما فى تلك الهنيهة هرعت نحوه ابنته حنان والتى تبلغ من العمر الثالثة عشرة واشرابت على أطراف قدميها وقبلته ثم ألقى التحية على زوجته ، فابتسمت وقالت له : كيف كان يومك يا دكتور ، فأجابها : كا العادة مارى ولكن اليوم كان مفعما بالعمل فنظرت نحوه وقالت: لذا فقد اجتهدت اليوم خصيصا و اعددت اليوم للمتعبين فى العمل بعض المشهيات والحلويات التى يحببنها ، وعلى فكرة لا تنسى أن تهنىء حنان بعيد ميلادها ، فابتسم الدكتور موريس ووجه نظره نحو ابنته حنان وقال لها : ان هذه المناسبة هى عيد لنا جميعا ، وانا كعادتى كما تعرفين يا مارى فقد اشتريت لأمورتى هدية ويارب تحوز اعجابها وهذا طبعا قد تم منذ نحو اسبوع ، أننى سوف أذهب وأحضرها لها من مكتبى فى التو ، ثم صعد درجات السلم الداخلى متجها الى الطابق الثانى ليحضر هدية حنان وايضا ليرتدى بزة جديدة وحتى يستعد لهذا الاحتفال والذى يتم الاحتفال به فى الطابق السفلى .
كانت الدكتورة مارى فى تلك الاثناء قد اعدت طعام العشاء وطلبت من حنان وزوجها الجلوس الى طاولة الطعام ، وبينما هم يستعدون لايقاد شموع عيد الميلاد سمع الدكتور موريس دقات متعجلة على الباب الخارجى بدت تلك الدقات متسارعة فاعتقد أن أحدا من اقاربهم قد أتى اليهم فى امر ما ، فهم وفتح الباب على عجل و نظر واذا به يجد رجلا ملثما طويل القامة ولكنه ليس ضخم الجثة وكان يغطى وجهه بكوفية سوداء اللون ويحمل على يدية امرأة كانت يديها مرتخيتان ويغطى وجهها شال أسود اللون ولا يظهر من وجهها سوى عينان واسعتان متعبتان ، كان يبدو عليها هزال و ضعف شديدين ، وقال الرجل وكان يحمل على كتفه رشاش عوزى بصوت مرتعش: أرجوكم انقذوا زوجتى انها تنزف لقد أصيبت ، أرجوكم اتصلوا بأى دكتور ليأتى ويوقف هذا النزيف وأرجوكم ألا تخبروه أن هذا الاستدعاء لزوجتى بل الاستعاء لكم ، أرجوكم هيا اتصلوا بالتليفون سريعا أرجوكم اننى اخاف أن تضيع منى ، لقد أهرقت تقريبا نصف دمها وأنا أحملها على رمال هذا الوادى الفسيح . فقال له الدكتور موريس بصوت كان ممتلئا بالشفقة والانعطاف: لا تقلق يا أخ !! فأجاب : أسمى سامح !! فنظر الدكتور نحوه وقال له : ان أسمك على اسم ابنى الدكتور سامح ، أنه يدرس الطب فى الخارج ، فقال الرجل يا خساره يا ليته كان هنا ، فقال له الدكتور موريس لا تقلق فأنا جراح ولا داعى للاتصال بأحد ، عندئذ تنفس الرجل الصعداء فلقد كان وجدانه فى تلك الهنيهة ثائرا وجسده كان ينتفض و لكنه بعد أن عرف أنه فى بيت طبيب جراح سرعان ما هدأت سريرته عندما سمع كلمات الدكتور موريس ونزع عن وجهه تلثمه فظهرت ملامح وجهه . فنظر الدكتور موريس نحو الرجل وطلب منه نزع الشال الذى يغطى وجه زوجته فامتعص وجهه قليلا وقال موجها حديثه للدكتور موريس: ان عادتنا هى أن نجعل وجه نساءنا مغلقا ، ولكن الدكتور موريس قال له : فليكن تلك عاداتكم ، ولكن انك ترى انه لا بد أن يوجد هنا جرح واشار على وجهها وكان ينزف منه دما لذا يلزم أن تنزع الغطاء عن وجهها حتى أقوم باسعافها ، واستغرق الرجل فى تفكير عميق عدة هنيهات ثم قال : أرجوك يادكتور دع زوجتك تقوم بذلك بدلا منك !! فابتسم الدكتور موريس وقال له : أننى أنا الجراح وليست هى .. ان زوجتى دكتورة بالجامعة فى كلية الاداب وهذا الامر ليس فى تخصصها ... وأخيرا نزع الرجل الشال عن وجه زوجته فوجد الدكتور أن بوجهها جرح نافذ يتقطر منه دم بغززارة ، فأحضر كرسى متحرك ووضع عليه زوجة الرجل وقال له مسرعا : اتبعنى وسار بها عبر كريدور داخلى طويل يؤدى الى المشفى الملحق بالفيلا ، ثم دخلوا الى حجرة مخصصة به ثم قام الدكتور بنظافة وتضميد وحياكة الجرح بعد أن أخرج منه طلقا ناريا ، وقال : لابد لى أن أقوم بتعين فصيلة دمها ففعل وقال يالله : ان فصيلة دمها شكرا لله هى نفس فصيلى دم الدتورة مارى " o أى عاطى عام " ثم طلب من زوجته الاستعداد لنقل دم منها الى زوجة الرجل وتم نقل نحو لتر دم من دماء الدكتورة مارى الى زوجة الرجل وعندما انتهى الدكتور موريس من ذلك قال للرجل : الحمد لله لقد أنقذنا زوجتك ، فنظر الرجل نحوه وقال : لقد عرفت من لوحة البطل مارى جرجس ولوحة ستنا العذاراء المعلقة على الحوائط بأنكم أقباط ولستم مسلمون مثلنا ، فابتسم الدكتور موريس وقال له : وما الفرق يا عزيزى ألسنا جميعا بشر مثلكم مصريون ، انظر الى زوجتك لقد انقذها الله بدماء مسيحية أو قبطية كما تقول ، وعلى فكرة فالقبطى يعنى مصرى ، انظر الى زوجتك لقد بدت الان أفضل حالا انظر اليها فهى الان تتعافى ، ان دماء الدكتورة مارى تجرى فى عروقها الان و لا فرق بين دماء زوجتى و زوجتك . على فكرة لقد وضعت لزوجتك الان محلولا مغذيا وهى الان تشعر بتحسن وعما قريب ستتعافى وتشفى ولكنها هى الان تحتاج للراحة انظر اليها انها قد تعرفت عليك وها هى تنظر نحوك ، طمأنها بصوتك ، وهيا بنا نتناول طعام العشاء معا ، لقد اتيتم الينا فى حفل عيد ميلاد أبنتى حنان ، فقاطعه الرجل قائلا : يا دكتور كيف قمت بمساعدتى وأنا لست على دينك !! وكيف قمت بذلك وأنت لا تعرفنى ولا تعرف من اين أتينا وماذا كنا نريد ان نفعله بكم !! فقال له الدكتور موريس : هل نسيت أننى طبيب جراح وضميرى وانسانيتى تدفعنى لمساعدة الاخرين دون أن اسألهم أى شىء !! عن من هم وما هو دينهم ، يا عزيزى الدين لله ، والمحبة للجميع ، فقال الرجل لقد كنا نخطط لحرق كنيس لكم لأننا نكره الاقباط أو المسيحيين ، فابتسم الدكتور موريس ولماذا ياعزيزى هذا الكره ، فقال له الرجل: هكذا أوحوا لنا أنكم أعداؤنا !! فقال له الدكتور موريس وهل وجدت ذلك حقيقة !! ، فقال له الرجل وكان منكسا راسه نحو الارض وكان يتحدث والغصة تكاد أن تخرصه : لا لقد تغير حالى منذ دخولى الى هنا ، لقد وجدت فيكم خير لم اجده فى احد غيركم ، لم أكن ادرى يوم أننى سوف أدخل الى بيت أحد الاقباط أو المسيحيين وأن أرى دماءهم تسرى فى دماءنا ، فقال له الدكتور موريس مبتسما : وان عرفت أن المشفى الملحق بالفيلا هو اهداء من والد الدكتورة مارى وهو راع الكنيس الذى كنتم تخططون لحرقة ، لقد تبرع المسيحيون وكذلك المسلمون لشراء أدواته واجهزته الطبية . عنئذ جثا الرجل على ركبتيه وقال للدكتور موريس : أرجوك سامحنى لقد فهمت الان حقائق قد غيرت وستغير كل من معى ... فى تلك الاثناء دق الباب عدة دقات ، فهرع الدكتور واشار الى الرجل أن يختفى وراء الستار وكان العقيد رؤوف شقيق الدكتورة مارى هو الطارق : رحب به الدكتور موريس وقال له اليوم عيد ميلاد حنان ، فقال له : معذرة لم ات اليوم من أجل ذلك ولكن من أجل ... فى تلك الاثناء خرج الرجل من وراء الستار وقال للعقيد : أنا جاهز يا فندم لا تتعب نفسك سأسلم نفسى وهذا هو رشاشى الحمد لله ان العملية لم تنجح و قد فشلت بسبب المسلمين الاخرين والمسيحيين الذين دافعوا عن هذا الكنيس ، أننى أرجوك يا فندم وكان يوجه حديثه للعقيد رؤوف : أرجوك أتركوا زوجتى لا تأخذوها الان معى حتى تتعافى لدى الدكتور موريس وساتى معكم ، لقد عرفت أن هذه الاسرة بحق قد غيرت حياتى ، وأكيد فى يوم ما سوف اتى هنا اليكم لأخبركم بأننا سنكون معا وسوف أحكى لكل من اعرفه عنكم وعن انسانيتكم ، الان أنا حزين لما كنت أكنه لكم من حقد وكره ، ان الله قد بدل ما بداخلى بسببكم ، أرجوكم سامحونى ، ان الظلام الذى كنا نعيش فيه قد زال فقال له الدكتور موريس : انك لا تعرف مدى سعادتنا الان بسماع كلماتك صدقنى ان هذا البلد شىء رائع وهو أن الحب فى مصر هو واحة السلام ، انظر الى هذه الايه التى توجد معلقة هنا فنظر الرجل وكان مندهشا لم يصدق ما راه وقال : انه ايه من القران " فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الارض " صدق الله العظيم واستطرد الدكتور موريس حديثه قائلا أننا لا يوجد لدينا تعصب وكلمات القران والانجيل لدينا مقدسة ، اذهب يا سامح يا ابنى ... سمع الرجل تلك الكلمات واحس بصوت الدكتور يناديه كانه أبنه فقال له : لا تخف يا دكتور سوف نطفىء لهيب الكراهية معا ، فقال له الدكتور موريس : نعم لأن الضوء الجديد فى مصر ات وغدا سوف تشرق الشمس ... وقال الرجل وهو ينصرف مع العقيد وداعا والف شكر ..
تمت